1 ـ ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ﴾([1]).
«من» في قوله تعالى: ﴿مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ تبعيضية وليست بيانية، والتقدير: أن رضا الله عن المهاجرين والأنصار لا يشمل الجميع، وإنما يختص بأهل السبق، الأولين منهم، ومن تبعهم، بشرط الطاعة لله والإحسان.. فالآية لا تشمل من هاجر إلى الحبشة ثمّ ارتدّ بعد ذلك، ولا تشمل بعض أهل المدينة الذين تخلَّفوا عن رسول الله في غزوة تبوك.
2 ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ﴾([2]).
عتاب وتوبيخ من الله تعالى لبعض المؤمنين، الذين خالفوا أمر النبي «صلى الله عليه وآله» بالخروج لجهاد الروم في تبوك، وتقاعسوا وآثروا الميل إلى الإقامة في أرضهم، وعدم الخروج من وطنهم، طلباً لمتاع الحياة الدنيا.
3 ـ ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾([3]).
رضي الله عن أهل بيعة الرضوان، حال مبايعتهم النبي «صلى الله عليه وآله» تحت الشجرة، فأنزل السكينة على الذين علم في قلوبهم الصدق والوفاء، وحذّر من ينقض بيعته بأنه يخرج مما وعد الله من الثواب والرضا، قال تعالى: ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾[4]() مما يجعل كل ما جاء لأهل بيعة الرضوان مقيداً بالوفاء.
4 ـ ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ﴾([5]).
الذين رموا إحدى زوجات النبي «صلى الله عليه وآله» بالخيانة كذباً وبهتاناً، هم جماعة منكم، والخطاب لعامة المسلمين.
وقيل: العصبة جماعة من عشرة إلى أربعين.
5 ـ ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾([6]).
في المدينة والبادية التي حولها، من أتقنوا إظهار إسلامهم وإخفاء نفاقهم، ولكنّ الله يعلم ما يخفون من كيد، ويتكتمون به عن الرسول «صلى الله عليه وآله».
سيعذبهم الله بذلك مرتين في الدنيا، ثم يردون إلى عذاب الآخرة.
6 ـ ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾([7]).
كان النبي «صلى الله عليه وآله» يخطب لصلاة الجمعة، فلما جاءت قافلة التجارة ودقت لها الطبول، أسرع أكثر الصحابة إليها وتفرقوا عن النبي «صلى الله عليه وآله» وتركوه قائماً يخطب.
7 ـ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ % فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ % فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾([8]).
نزلت في صحابي سأل الرسول «صلى الله عليه وآله» أن يدعو له حتى يرزقه، فلما دعا له ورزقه الله، إمتنع عن الزكاة، وترك صلاة الجمعة، فكانت عاقبته النفاق إلى يوم القيامة، بسبب خُلْفِه للوعد والكذب على الله.
8 ـ ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾([9]).
وصفٌ من الله للرسول «صلى الله عليه وآله» والصالحين من أصحابه، ووعدٌ بالمغفرة والأجر لخصوص الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم، فإنّ لفظ «منهم» يدل على التبعيض.
1 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ ذَرِيحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» يَقُولُ:
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ «عليه السلام» إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ «صلى الله عليه وآله» وكَانَ مُسْتَقِيماً([10]).
3 ـ روى الكشي عن حمدويه وإبراهيم ابنا نصير، قال: حدثنا أيوب عن صفوان، عن معاوية بن عمار وغير واحد، عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال:
كان عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر، لا يرضيان أن يعصى الله عز وجل([11]).
4 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن سَعْد بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْبَزَنْطِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ: رَحِمَ اللهُ الْأَخَوَاتِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَسَمَّاهُنَّ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةُ، وَكَانَتْ تَحْتَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «عليه السلام»، وَسَلْمَى بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةُ وَكَانَتْ تَحْتَ حَمْزَةَ.
وَخَمْسٌ مِنْ بَنِي هِلَالٍ، مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ كَانَتْ تَحْتَ النَّبِيِّ «صلى الله عليه وآله»، وَأُمُّ الْفَضْلِ عِنْدَ الْعَبَّاسِ اسْمُهَا هِنْدٌ، وَالْغُمَيْصَاءُ أُمُّ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَعَزَّةُ كَانَتْ فِي ثَقِيفٍ عِنْدَ الْحَجَّاجِ بْنِ غلاظ [عِلَاطٍ]، وَحَمِيدَةُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَقِبٌ([12]).
5 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
كَبَّرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ «عليه السلام» عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وكَانَ بَدْرِيّاً خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ مَشَى سَـاعَةً، ثُمَّ وَضَعَه وكَـبَّرَ عَلَيْه خَمْسَةً أُخْرَى، فَصَنَعَ ذَلِكَ حَتَّى كَبَّرَ عَلَيْه خَمْساً وعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً([13]).
6 ـ روى الكشي عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم، عن علي بن محمد بن يزيد القمي، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال:
كان بلال عبداً صالحاً([14]).
7 ـ روى الكشي عن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن سنان، عن أبي خالد، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر «عليه السلام» قال:
قلت: ما تقول في عمار؟
قال «عليه السلام»: رحم الله عماراً، ثلاثاً، قاتل مع أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» وقتل شهيداً([15]).
8 ـ روى الكشي عن جبريل بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن صفوان بن مهران الجمال، عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال:
قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن الله تعالى أمرني بحب أربعة.
قالوا: ومن هم يا رسول الله؟
قال: علي بن أبي طالب، ثم سكت، ثم قال: إن الله أمرني بحب أربعة.
قالوا: ومن هم يا رسول الله؟
قال: علي بن أبي طالب «عليه السلام»، والمقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي([16]).
9 ـ روى الشيخ المفيد عن جعفر بن الحسين، عن محمد بن جعفر المؤدب عن أمير المؤمنين «عليه السلام»:
الأركان الأربعة: سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وعمار.
هؤلاء الصحابة([17]).
10 ـ روى الكشي عن جبريل بن أحمد الفاريابي البرناني، عن الحسن بن خرزاد، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، عن أبي جعفر «عليه السلام»، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب «عليه السلام»، قال:
ضاقت الأرض بسبعة، بهم ترزقون، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون، منهم: سلمان الفارسي، والمقداد، وأبو ذر، وعمار، وحذيفة «رحمة الله عليهم».
وكان علي «عليه السلام» يقول: وأنا إمامهم، وهم الذين صلُّوا على فاطمة «عليها السلام»([18]).
11 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِي بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ وعَلِيّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عن أَبي عَبْدِ الله «عليه السلام»:
قَالَ «صلّى الله عليه وآله»: اللَّهُمَّ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ أَهْلاً وثَقَلاً، وهَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وثَقَلِي.
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ألَسْتُ مِنْ أَهْلِكَ؟
فَقَالَ «صلّى الله عليه وآله»: إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ، ولَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي وثِقْلِي([19]).
إنّنا نقتدي بأصحاب النّبي «صلّى الله عليه وآله» المتّقين، ونترضّى ونترحّم عليهم، ولا يجوز الإساءة إليهم، وهم رجال الإسلام وحماته ودعاته.
وأنّ صحبة النّبي «صلّى الله عليه وآله» بإحسان فضل من الله ونعمة ومبعث فخر، لكنّها ليست عصمة، ولا تعني أنَّ الصحابة على مرتبة واحدة، ولا أنهم صاروا أتقياء إلى آخر عمرهم.. لذا تجري عليهم قواعد الجرح والتعديل.
وهذا ما جرى عليه القرآن الكريم، فامتدحت الآيات الذين أحسنوا الصحبة واتقوا، وذمّت آخرين كالذين مردوا على النفاق، أو سخروا من إخوانهم، أو انفضّوا عن الرّسول «صلّى الله عليه وآله» إلى التجارة واللهو، أو جاءوا بالإفك ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾([20])، أو الذين تآمروا على النّبي «صلّى الله عليه وآله» وأرادوا قتله، ﴿يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾([21]).
وزوجات النّبي «صلّى الله عليه وآله» جميعهن منزّهات، مطهّرات من الفاحشة، وما روي بحق إحدى زوجاته «صلى الله عليه وآله»، فهو إفك وافتراء، وقد برَّأها الله تعالى بنص القرآن.
جاء في دعاء الإمام زين العابدين «عليه السلام»:
اللهمّ وأصحاب محمّد خاصّة، الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته.. فلا تنس لهم، اللهمّ ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك.([22])
([1]) الآية 100 من سورة التوبة.
([2]) الآية 38 من سورة التوبة.
([3]) الآية 18 من سورة الفتح.
([4]) الآية 10 من سورة الفتح.
([5]) الآية 11 من سورة النور.
([6]) الآية 101 من سورة التوبة.
([7]) الآية 11 من سورة الجمعة.
([8]) الآيات 75 ـ 77 سورة التوبة.
([9]) الآية 29 من سورة الفتح.
([10]) الكافي، ج3 ص125، ومرآة العقول للمجلسي، ج13 ص282.
([11]) إختيار معرفة الرجال «رجال الكشي»، ج1 ص281.
([12]) الخصال للصدوق، ص364، وبحار الأنوار، ج22 ص195.
([13]) الكافي، ج3 ص186، وإختيار معرفة الرجال «رجال الكشي»، ج1 ص165.
([14]) إختيار معرفة الرجال «رجال الكشي»، ج1 ص190، ومن لا يحضره الفقيه، ج1 ص283.
([15]) إختيار معرفة الرجال «رجال الكشي»، ج1 ص126.
([16]) إختيار معرفة الرجال «رجال الكشي»، ج1 ص46.
([17]) الإختصاص للشيخ المفيد، ص6.
([18]) إختيار معرفة الرجال «رجال الكشي»، ج1 ص34، وبحار الأنوار، ج22 ص351.
([19]) الكافي، ج1 ص286 و 287، وبحارالأنوار، ج30 ص211.
([20]) الآية 11 من سورة النور.
([21]) الآية 74 من سورة التوبة.
([22]) الصحيفة السجادية ، الدعاء الرابع.