1 ـ ﴿إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾([1]).
لقد خَلَقَ سبحانه وتعالى الأشياء لحكمة وغاية، ووضعها في مواضعها، بنظم وتحديد منه سبحانه.
وقد منح الله تعالى الإنسان الإختيار لأفعاله ضمن ما قدّر له.
2 ـ ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ % فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ % إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ % فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾([2]).
خَلَقَ الله الإنسان من ماء مهين، وأودعه ظلمة الرحِم بمنتهى الحكمة والتقدير إلى أمدٍ معلوم، وفي ذلك آية: أنّ الله قادرٌ على بعثه يوم القيامة، وأنّه على كلّ شيء قدير، وأنّه نِعْمَ من خَلَقَ وقدّر.
3 ـ ﴿قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾([3]).
خَلَقَ الأشياء وقدّرها فلا عبث ولا لغو ولا باطل.
4 ـ ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾([4]).
خَلَقَ الخيراتَ في الأرض وقدّرها لحكمته وبما يتناسب مع حاجة الإنسان.
5 ـ ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾([5]).
تظهيرٌ لعظيمٍ القدرة، بحيث يتحقّق المراد ويُبْرَمُ، بمجرد إرادته تعالى، فلا يشبه فعله فِعْلَ العباد.
6 ـ ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾([6]).
نَفَذَ أمر الله بخلق السموات السبع في يومين اثنين.
7 ـ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾([7]).
لقد خلق سبحانه وتعالى الإنسان، وحتّم موعد حلول موته الذي لا مردّ له، وترَكَهُ أمراً مجهولاً لغاية وحكمة..
1 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله «عليه السلام»، قال:
سمعته يقول: إن القضاء والقدر خلقان من خلق الله، والله يزيد في الخلق ما يشاء([8]).
2 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَرَّارٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ:
قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا «عليه السلام»: يَا يُونُسُ، لَا تَقُلْ بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ، فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ لَمْ يَقُولُوا بِقَوْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ولَا بِقَوْلِ أَهْلِ النَّارِ، ولَا بِقَوْلِ إِبْلِيسَ..
فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ قَالُوا: ﴿الْحَمْدُ لِله الَّذِي هَدانا لِهذا وما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا الله﴾.
وقَالَ أَهْلُ النَّارِ: ﴿رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ﴾.
وقَالَ إِبْلِيسُ: ﴿رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي﴾.
فَقُلْتُ: والله مَا أَقُولُ بِقَوْلِهِمْ، ولَكِنِّي أَقُولُ: لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَا شَاءَ الله وأَرَادَ وقَدَّرَ وقَضَى.
فَقَالَ: يَا يُونُسُ، لَيْسَ هَكَذَا، لَا يَكُونُ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وأَرَادَ وقَدَّرَ وقَضَى، يَا يُونُسُ تَعْلَمُ مَا الْمَشِيئَةُ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: هِيَ الذِّكْرُ الأَوَّلُ، فَتَعْلَمُ مَا الإِرَادَةُ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: هِيَ الْعَزِيمَةُ عَلَى مَا يَشَاءُ، فَتَعْلَمُ مَا الْقَدَرُ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: هِيَ الْهَنْدَسَةُ ووَضْعُ الْحُدُودِ مِنَ الْبَقَاءِ والْفَنَاءِ.
قَالَ: ثُمَّ قَالَ: والْقَضَاءُ هُوَ الإِبْرَامُ وإِقَامَةُ الْعَيْنِ.
قَالَ: فَاسْتَأْذَنْتُه أَنْ أُقَبِّلَ رَأْسَه، وقُلْتُ: فَتَحْتَ لِي شَيْئاً كُنْتُ عَنْه فِي غَفْلَةٍ([9]).
3 ـ أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال:
قال أبو عبد الله «عليه السلام»: إن الله إذا أراد شيئاً قدَّره، فإذا قدَّره قضاه ، فإذا قضاه أمضاه[10]().
4 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ:
قَالَ لِي: ألَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَسْتَثْنِ فِيه رَسُولُ الله «صلى الله عليه وآله»؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: الدُّعَاءُ، يَرُدُّ الْقَضَاءَ وقَدْ أُبْرِمَ إِبْرَاماً، وضَمَّ أَصَابِعَه([11]).
5 ـ روى الشيخ الصدوق عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي بن معبد، عن درست، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله «عليه السلام»، قال:
قلت له: جعلت فداك، ما تقول في القضاء والقدر؟
قال: أقول: إن الله تبارك وتعالى إذا جمع العباد يوم القيامة، سألهم عما عهد إليهم، ولم يسألهم عما قضى عليهم([12]).
6 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله، عَنْ أَبِيه «عليهما السلام» قَالَ:
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ «صَلَوَاتُ الله عَلَيْه»: الإِيمَانُ لَه أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ: التَّوَكُّلُ عَلَى الله، وتَفْوِيضُ الأَمْرِ إِلَى الله، والرِّضَا بِقَضَاءِ الله، والتَّسْلِيمُ لأَمْرِ الله عَزَّ وجَلَّ([13]).
7 ـ روى الشيخ الكليني عن عِدَّة مِنْ أَصْحَابِه، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الله، عَنْ أَبِيه، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ لَيْثٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
إِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالله أَرْضَاهُمْ، بِقَضَاءِ الله عَزَّ وجَلَّ([14]).
8 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا «عليه السلام» عَنِ الإِيمَانِ والإِسْلَامِ؟
فَقَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ «عليه السلام»: إِنَّمَا هُوَ الإِسْلَامُ، والإِيمَانُ فَوْقَه بِدَرَجَةٍ، والتَّقْوَى فَوْقَ الإِيمَانِ بِدَرَجَةٍ، والْيَقِينُ فَوْقَ التَّقْوَى بِدَرَجَةٍ، ولَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ النَّاسِ شَيْءٌ أَقَلُّ مِنَ الْيَقِينِ.
قَالَ: قُلْتُ: فَأَيُّ شَيْءٍ الْيَقِينُ؟
قَالَ: التَّوَكُّلُ عَلَى الله، والتَّسْلِيمُ لِله، والرِّضَا بِقَضَاءِ الله، والتَّفْوِيضُ إِلَى الله([15]).
9 ـ روى الشيخ الصدوق عن علي بن عبد الله الوراق، وعلي بن محمد بن الحسن المعروف بابن مقبرة القزويني، عن سعد بن عبد الله، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن ثابت، عن سعد بن طريف، عن الأصبع بن نباته، قال:
إن أمـير المؤمنين «عليه السلام» عـدل من عند حائط مائـل إلى حائط آخر.
فقيل له : يا أمير المؤمنين، أتفرّ من قضاء الله؟
فقال: أفرّ من قضاء الله إلى قدر الله عز وجل([16]).
القضاء إبرام الأشياء وإحكامها عند تحقّق شروطها وأسبابها بقدرة الله ومشيئته.
والقدر هندسة تقادير الأشياء، بما جعل الله لها من حدٍّ، ومقدارٍ، وخصوصية.
فإذا تحققت الأسباب في التقادير أُبرِمَ القضاء.. فكل شيء في هذا الوجود يجري ضمن تقدير محكم ودقيق، وله أسبابه ونتائجه، والتمسّك بالأسباب لا يخرج عن تقديره سبحانه، فإنّما كانت السببية بمشيئته تعالى، قيل لرسول الله(ص): رقى يستثنى بها، هل تردُّ من قدر الله؟ فقال: إنّها من قَدَرٍ الله([17]) ..
والقضاء والقدر من الصفات الفعلية لله سبحانه ومظهر لتوحيده في الخالقية.
والقدر يتقدّم القضاء، والقضاء نتاجُه، وكلّ تقدير وقضاء بإرادة الله، بما لا يسلب إرادة الإنسان واختياره، ولا يتنافى مع عدل الله سبحانه.
فالله تعالى قدّر أفعال العباد بشرط إختيارهم، وبحسب اختيارهم يكون القضاء، وإلا لبَطُلَ الثواب والعقاب، ولكانت الأوامر والنواهي عبثاً.
وما يختاره العباد من أفعال فهو في ساحة قدرة الله ولا يخرج عنها، ومسبوق بتقديره وعلمه سبحانه، فهو يعلم بوقوعه عن اختيار العبد..
[1] الآية 49 من سورة القمر.
[2] الآيات 20 ـ 23 من سورة المرسلات.
[3] الآية 3 من سورة الطلاق.
[4] الآية 10 من سورة فصلت.
([5]) الآية 117 من سورة البقرة.
([6]) الآية 12 من سورة فصلت.
([7]) الآية 2 من سورة الأنعام.
([8]) التوحيد للصدوق، ص364، وراجع: المحاسن للبرقي، ص245، وبحار الأنوار، ج5 ص112.
([9]) الكافي، ج1 ص158، ومسند الإمام الرضا، ج1 ص36.
([10]) المحاسن للبرقي، ص243، والبحار، ج4 ص121.
([11]) الكافي، ج2 ص470. ووسائل الشيعة، ج7 ص37.
([12]) التوحيد للصدوق، ص365.
([13]) الكافي، ج2 ص47، ومرآة العقول للمجلسي، ج7 ص294.
([14]) الكافي، ج2 ص60. ووسائل الشيعة،ج3 ص 251.
([15]) الكافي، ج2 ص52، وبحار الأنوار، ج67 ص138.
([16]) التوحيد للصدوق، ص369. وبحار الأنوار، ج5 ص114.
([17]) الرقى جمع الرقية بمعنى العوذة.