الجبر والتفويض

الجبر والتفويض

 

آيات قرآنية: 

1 ـ ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا([1]).

بيّن الله تعالى لعباده الطريق، ومكّنهم من الإختيار بين الخير والشر، فعن الصادق «عليه السلام»: إما آخذ فهو شاكر، وإما تارك فهو كافر([2]).

 

2 ـ ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ([3]).

بعدما بيّن الله الرشد من الغيّ، ترك للإنسان حرية الإختيار بين الإيمان والكفر من غير إكراه.

 

3 ـ ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ([4]).

الجزاء يوم القيامة هو نتيجة ما أقدمتم عليه من طاعة أو معصية، ممّا يدلّ على الإختيار في العمل.

 

4 ـ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ([5]).

الآية تشير إلى اختيار الإنسان في فعل عبادته، وتنفي إستقلاليته عن الله تعالى بطلب الإستعانة به حصراً، وهو ما يعني أمراً بين أمرين، فلا جبر ولا تفويض.

 

5 ـ ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى([6]).

الإنسان بفعله وقدرته ليس مستقلاً عن فيض الله تعالى وإرادته، فإنّ فعل النبي «صلى الله عليه وآله»، والمسلمين في معركة بدر، إنما هو استخدام للقدرة التي منحهم الله إياها، ولذا كان فعلهم فعلاً لله تعالى..

 

روايات معتبرة سنداً:       

1 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، وَمُحَمَّد بْن الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ، عن سَعْد بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْبَزَنْطِيِّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا «عليه السلام» قَالَ:

«قُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَصْحَابَنَا بَعْضُهُمْ يَقُولُونَ بِالْجَبْرِ، وَبَعْضُهُمْ بِالإسْتِطَاعَةِ.

فَقَالَ لِي: اكْتُبْ.

قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، بِمَشِيَّتِي كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَشَاءُ لِنَفْسِكَ مَا تَشَاءُ، وَبِقُوَّتِي أَدَّيْتَ إِلَيَّ فَرَائِضِي، وَبِنِعْمَتِي قَوِيتَ عَلَى مَعْصِيَتِي.

جَعَلْتُكَ سَمِيعاً بَصِيراً، قَوِيّاً.

ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ، وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ.‏

وَذَلِكَ أَنَا أَوْلَى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَوْلَى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي.

وَذَلِكَ أَنِّي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ،‏ وَهُمْ يُسْألُونَ‏.

قَدْ نَظَمْتُ لَكَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ تُرِيدُ([7]).

 

2 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن سَعْد بْن عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» قَالَ:

«إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَعَلِمَ مَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ، وَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ.. فَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ، فَقَدْ جَعَلَ لَهُمُ السَّبِيلَ إِلَى الْأَخْذِ بِهِ، وَمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ، فَقَدْ جَعَلَ لَهُمُ السَّبِيلَ إِلَى تَرْكِهِ، وَلَا يَكُونُوا آخِذِينَ وَلَا تَارِكِينَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ([8]).

 

3 ـ الصدوق عن أبيه، عن سعدِ بنِ عبدِ الله، عن يعقوبَ بنِ يزيدَ، عن محمد بنِ أبي عمير، عن صباحَ بن عبد الحميد وهشامٍ، وحفصٍ، وغير واحد، قالوا:

قال أبو عبد الله «عليه السلام»: «إنَّا لَا نَقُولُ جَبْرَاً ولا تَفْوِيضَاً»([9]).

 

4 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن سَعْد بْن عَبْدِ اللهِ، عن أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا «عليه السلام»، قَالَ:

«ذُكِرَ عِنْدَهُ الْجَبْرُ وَالتَّفْوِيضُ، فَقَالَ: أَلَا أُعْطِيكُمْ فِي هَذَا أَصْلًا لَا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَلَا تُخَاصِمُونَ عَلَيْهِ أَحَداً إِلَّا كَسَرْتُمُوهُ؟!

قُلْنَا: إِنْ رَأَيْتَ ذَلِكَ.

فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يُطَعْ بِإِكْرَاهٍ، وَلَمْ يُعْصَ بِغَلَبَةٍ، وَلَمْ يُهْمِلِ الْعِبَادَ فِي مُلْكِهِ.. هُوَ الْمَالِكُ لِمَا مَلَّكَهُمْ، وَالْقَادِرُ عَلَى مَا أَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ..

فَإِنِ ائْتَمَرَ الْعِبَادُ بِطَاعَتِهِ لَمْ يَكُنِ اللهُ عَنْهَا صَادّاً، وَلَا مِنْهَا مَانِعاً..

وَإِنِ ائْتَمَرُوا بِمَعْصِيَتِهِ، فَشَاءَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَحُلْ وَفَعَلُوهُ، فَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُمْ فِيه

ثم قال «عليه السلام»: مَنْ يَضْبِطُ حُدُودَ هَذَا الكَلَام فَقَدْ خَصَمَ مَنْ خَاَلَفُه»([10]).

 

5 ـ روى الشيخ الصدوق عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، قال:

سمعت أبا عبد الله «عليه السلام» يقول: لا يكونُ من العبدِ قبضٌ ولا بسطٌ إلا باستطاعتِهِ متقدمةً للقبضِ والبسطِ([11]).

 

6 ـ روى الشيخ الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال:

ما كلّفَ اللهُ العبادَ كلفةَ فِعل، ولا نهاهُم عن شيءٍ حتى جعلَ لهم الإستطاعَةَ، ثم أمَرَهُم ونهاهُم، فلا يكونُ العبدُ آخذاً، ولا تاركاً إلا باستطاعةٍ متقدمةٍ قبلَ الأمرِ والنهي، وقبلَ الأخذِ والترك، وقبل القبضِ والبسطِ([12]).

 

7 ـ روى الشيخ الكليني عن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا(ع) قَالَ:

 سَأَلْتُه فَقُلْتُ: اللَّه فَوَّضَ الأَمْرَ إِلَى الْعِبَادِ؟

قَالَ: اللَّه أَعَزُّ مِنْ ذَلِكَ.

قُلْتُ: فَجَبَرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي؟

قَالَ: اللَّه أَعْدَلُ وأَحْكَمُ مِنْ ذَلِكَ.

قالَ: ثمّ : قال اللهُ: يا ابنَ آدمَ أنا أَولَى بحسناتِك منكَ، وأنتَ أولى بسيئاتِك مني، عملتَ المعاصي بقوتي التي جعلتُها فيك[13].

 

هذه عقيدتنا في الجبر والتفويض:

إنّ الله تعالى لم يفوّض الإنسان في أفعاله بنحو مطلق بحيث تكون خارجة عن سلطانه وإذنه عزّ وجلّ، ولم يجبره، ولم يقهره على فعل، بحيث تخرج الأفعال عن إرادة الإنسان واختياره ومسؤوليته.

فلا جبر بنحو مطلق ولا تفويض بنحو مطلق، وإنما هو أمر بين أمرين.

فأفعال العباد هي أفعالهم نتيجة اختيارهم بتمكين الله إيّاهم على فعلها، دون أن تخرج عن سلطانه.. فمشيئة العبد في عين مشيئته.

ومن حيث مكّن الله سبحانه العبد أن يفعل ما اختاره أو أن يتركه فلا يكون مجبراً.. وحيث إن اقتداره على الفعل، وعلى الترك، مستمدّ من الله، ومن قدرته، فلا يكون مفوّضاً حينئذٍ بنحو مطلق.. فالله تعالى قادر على سلب اختياره وقدرته منه..

وقد ورد عن المنزلة التي بين الجبر والتفويض: أنها أوسع مما بين السماء والأرض، وأن الله أكرم من أن يكلّف النّاس ما لا يطيقون، وأعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد.

 

[1] الآية 3 من سورة الإنسان.

[2] الكافي، ج2 ص384.

[3] الآية 29 من سورة الكهف.

[4] الآية 7 من سورة التحريم.

[5] الآية 5 من سورة الفاتحة.

([6]) الآية 17 من سورة الأنفال.

([7]) التوحيد للصدوق، ص 338. وعيون أخبار الرضا للصدوق، ج1، ص132.

([8]) التوحيد للصدوق ص 359، ومختصر بصائر الدرجات، ص132.

([9]) أمالي الصدوق، ص353.

([10]) التوحيد، ص362، وعيون أخبار الرضا، ج1 ص132، وبحار الأنوار، ج5 ص16.

[11] التوحيد للصدوق، ص352، وبحار الأنوار، ج5 ص39.

[12] التوحيد، ص352، وبحار الأنوار، ج5 ص38.

[13] الكافي، ج1 ص157، راجع التوحيد للشيخ الصدوق ص363.